في أجواء مفعمة بالاعتزاز بالانتماء الوطني، وبروح عالية من الحماسة والتعبئة المواطنة، عاشت الثانوية التأهيلية ابن سينا بجمعة اسحيم لحظات مميزة بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة وذكري عيد الاستقلال والوحدة، في احتفال بهيج جمع بين البعد التربوي والبعد الرمزي لهذه المحطات الخالدة في تاريخ المغرب الحديث.
وقد تميز هذا الحفل بحضور ثلة من الشخصيات الفاعلة على المستوى المحلي، من بينها ممثل الدرك الملكي، وممثل الوقاية المدنية، ومدير الخيرية الإسلامية، إلى جانب رئيس جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، في تجسيد حي لانفتاح المؤسسة على محيطها، وترسيخ لثقافة الشراكة والتعاون في خدمة المدرسة العمومية.
استهل برنامج الاحتفال بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، أضفت على الأجواء نفحة روحانية رفيعة، أعقبتها لحظة مؤثرة مع أداء النشيد الوطني الذي ردده الجميع في انسجام تام، فاهتز فضاء المؤسسة بصوت واحد يردد “منبت الأحرار” في مشهد يلخص عمق الارتباط بالوطن ورموزه وثوابته.

وفي كلمتها الافتتاحية، عبرت السيدة بن العطار فاطمة الزهراء مديرة المؤسسة عن سعادتها البالغة باحتضان هذا الاحتفال الوطني، مؤكدة أن تخليد ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال والوحدة ليس مجرد حدث بروتوكولي عابر، بل هو محطة تربوية كبرى لترسيخ قيم المواطنة الصادقة، والتضحية ونكران الذات، وربط الأجيال الصاعدة بتاريخها المجيد ومسار الكفاح الذي خاضه المغاربة من أجل التحرر والوحدة وبناء الدولة الحديثة. كما شددت على أن الرهان اليوم هو تحويل هذه الذكريات إلى طاقة إيجابية تدفع التلميذات والتلاميذ إلى الاجتهاد والعطاء والمشاركة الفاعلة في بناء مغرب الغد.

من جهته، أبرز منسق الحياة المدرسية في كلمته الدور المركزي للمؤسسة التعليمية في غرس قيم الوحدة الوطنية والالتفاف حول الثوابت الجامعة للأمة، معتبرا أن الأنشطة الموازية ليست ترفا، بل هي امتداد طبيعي للدروس داخل الفصول، لأنها تتيح للتلاميذ التعبير عن وعيهم وهويتهم بأساليب فنية وإبداعية قريبة منهم. كما نوه بالمجهودات الجماعية للأطر التربوية والإدارية في إنجاح هذا الموعد الوطني.
أما رئيس جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، فقد توقف عند أهمية التكامل بين الأسرة والمدرسة في تربية الجيل الجديد على حب الوطن والاعتزاز بتاريخه، مذكرا بأن المسيرة الخضراء كانت درسا للعالم في السلم والتلاحم بين العرش والشعب، وأن مسؤولية الأجيال الحالية هي مواصلة هذا المسار في مجالات العلم والعمل والأخلاق.
وعلى المستوى الفني والثقافي، قدم تلاميذ الثانوية التأهيلية ابن سينا مجموعة من الفقرات الابداعية التي عكست رصيدا من الموهبة والالتزام. فقد تم عرض مسرحيات بديعة جسدت صورا من تضحيات المغاربة في سبيل الحرية والوحدة، واستحضرت لحظات مفصلية من مسار الكفاح الوطني، في تفاعل كبير من الحضور الذي تابع هذه العروض بإعجاب وانسجام. كما تعاقبت قصائد شعرية وأغان وطنية عانقت الوجدان، عبرت عن الحب الصادق للوطن والافتخار بمساره النضالي.
وتعزيزا للبعد المعرفي والفكري للاحتفال، قدم التلاميذ عروضا تربوية بثلاث لغات. فقد تناول عرض باللغة الفرنسية دلالات عيد الاستقلال وأثره في بناء المغرب الحديث وترسيخ مؤسساته، بينما ركز عرض باللغة العربية على المسيرة الخضراء كملحمة سلمية فريدة في التاريخ المعاصر، ودورها في استكمال الوحدة الترابية للمملكة. أما العرض المنجز باللغة الإنجليزية تحت عنوان “من المسيرة إلى الوحدة”، فقد أبرز مسار المغرب من مرحلة التحرير إلى مرحلة التشييد وترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز صورة المغرب في المنتظم الدولي.
وفي لحظة بهيجة مليئة بالحركة والحياة، قدم التلاميذ رقصة جماعية معبرة عن وحدة الشباب وطموحهم في بناء مغرب متقدم ومزدهر، فاختلطت خطواتهم برسائل رمزية قوية تؤكد أن روح المسيرة الخضراء لا تزال تسكن أجيال اليوم، وأن حب الوطن يترسخ بالفعل كما يترسخ بالقول.
وقد أضفى الكورال الجماعي للأناشيد الوطنية طابعا خاصا على الحفل، حيث صدحت حناجر التلاميذ بأغان مغربية خالدة من قبيل “بلادي يا زين البلدان” و”صوت الحسن ينادي”، فكان التفاعل عفويا وقويا، وكأن الزمن يعود بالجميع إلى لحظات المسيرة الخضراء وأيام الاستقلال الأولى.
وفي ختام هذا العرس التربوي الوطني، تم تكريم التلاميذ المشاركين في مختلف الفقرات الفنية والثقافية، عبر توزيع شواهد تقديرية عليهم اعترافا بمجهوداتهم وإسهامهم في إنجاح هذه المناسبة، وتشجيعا لهم على مزيد من المبادرة والابداع.
لقد شكل هذا الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء وبعيدي الاستقلال والوحدة محطة تربوية وإنسانية مميزة بثانوية ابن سينا التأهيلية، تجدد فيها العهد على الوفاء لقيم الوطن وثوابته، وترسخ خلالها الإحساس الجماعي بالفخر بالانتماء إلى وطن عريق يتطلع إلى مستقبل أفضل بأجياله الصاعدة. هكذا برهنت المؤسسة مرة أخرى أن المدرسة ليست فقط فضاء للتحصيل المعرفي، بل هي كذلك مدرسة للمواطنة، ومشتل لطاقات تؤمن بأن المغرب مسيرة مستمرة من البناء المتواصل لا تتوقف


















تعليقات الزوار ( 0 )