بقلم/عبدالهادي بودى
● من الأمطار إلى المقابر… من المسؤول؟
لم تكن الأمطار التي شهدتها مدينة آسفي سوى الشرارة التي كشفت واقعا هشا ظل يتراكم بصمت لسنوات.
في ساعات قليلة، تحولت الشوارع إلى أنهار، والأسواق ومحلات البيع إلى ركام، والمنازل إلى مصائد موت، مخلفة ما يقارب 60 ضحية، ومئات الأسر المنكوبة، وخسائر مادية جسيمة ضربت في العمق الاقتصاد المحلي.

● هل ما حدث قضاء وقدر… أم نتيجة مسار فاشل؟
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح:
هل ما جرى مجرد ظاهرة طبيعية استثنائية، أم نتيجة مباشرة لمسار طويل من التقصير وسوء التدبير وغياب المحاسبة؟
● أمطار استثنائية… وبنية تحتية منهارة.
رغم قوة التساقطات، يؤكد فاعلون محليون وتقنيون أن مدنا مغربية أخرى عرفت أمطارا قريبة من حيث الشدة، أو مماثلة لها في فترات سابقة، دون أن تتحول إلى فاجعة بهذا الحجم.
ما انهار فعليا لم يكن المدينة لأنها صمدت وصامدة مند عصور ومئات السنين ، بل الذي أنهار شبكة تصريف المياه، وبرزت هشاشة أحياء وأسواق معروفة تاريخيا بخطورتها خلال فترات التساقط ولم يتداركوا الأمر.

○ شهادة – تاجر بسوق باب شعبة:
“كل شتاء نشتكي من انسداد البالوعات. لم نلق سوى الوعود والتسويف. جاء اليوم الذي كنا نحذر منه، وضاع رأس مال سنوات في دقائق.”
● تعاقب العمال… واستمرارية الإهمال.
تكشف المعطيات المحلية أن:
النقط السوداء كانت معروفة،
مخاطر الفيضانات موثقة بالصور وفي شكايات ومراسلات رسمية سابقة وبدون اخذ العبرة أو القيام بالازم ،
وكذلك ، تعاقب على إقليم آسفي عدد من العمال دون اتخاذ قرارات جذرية، فانتقلت الهشاشة من مرحلة إلى أخرى دون معالجة حقيقية فأدى الى الفاجعة .
○ شهادة – فاعل جمعوي من أحد الأحياء المتضررة:
“راسلنا السلطات والجهات المسؤولة عن قنوات الصرف الصحي بشأن خطورة الوضع في بعض الأحياء والأسواق. لم نقابل إلا بالتجاهل.”
● العامل الحالي: مسؤولية الاستمرارية لا القطيعة.
رغم أن العامل الحالي لم يمض على تحمل المسؤولية سوى فترة قصيرة على رأس الإقليم، إلا أن الواقع يظهر أنه لم يحدث القطيعة المطلوبة مع ممارسات الماضي.ولم يدخل في معالجات المشاكل الكبيرة بالجدية المطلوبة .
غير أن المسؤولية الأكبر تتحملها فترة العمال السابقين والعامل السابق شنان، الذي:
استمر طويلا في المسؤولية،
ورث وضعا هشا،
لكنه لم يفعل إصلاحا بنيويا حقيقيا رغم طول المدة ،
واستمر في نمط تدبيري قائم على التعايش مع الفشل، وتغليب المصالح والمنفعة الخاصة.

○ شهادة – مهندس سابق بالجماعة:
“ المشكل ليس في غياب الدراسات، بل في عدم تفعيلها. بعض المشاريع كانت تبرمج لأهداف انتخابية، لا لحاجات تقنية حقيقية.”
● المجالس المنتخبة: ثراء خاص… وفقر عام.
الوقوف على تفاصيل الكارثة يكشف تناقضا صارخا بين:
مجالس منتخبة راكم بعض أعضائها الثروة والنفوذ،
ومدينة تركت دون تحصين حقيقي أو رؤية وقائية.
○ شهادة – أحد سكان حي منخفض بآسفي :
“نعيش هنا منذ سنوات ونحذر من الخطر باستمرار. لم نتلق أي إنذار قبل العاصفة، ولم يأت أحد لإنقاذنا في تلك الليلة الطويلة. أنقذنا أنفسنا بأيدينا، وبمساعدة شباب الحي والأحياء المجاورة.”
● غياب الاستباق… حين يصبح الموت مفاجأة متوقعة.
تكشف المعطيات الميدانية غيابا تاما أو شبه تام لـ:
1. أنظمة إنذار مبكر،
2. خطط إجلاء،
3. تدخل استباقي قبل وقوع الكارثة،
4. التعامل الجدي مع التهديدات المحتملة رغم وضوح خطورتها.
5) غياب التجهيزات الضرورية بالمستشفى الإقليمي.
○ شهادة – أم فقدت ابنها:
“ابني لم يمت بسبب المطر فقط، بل لأنه لم يكن هناك من فكر في حمايته في الوقت المناسب.”
شهادة – تاجر متضرر:
○ “تركنا ساعات طويلة نصارع الموت وننتظر من ينقذنا. غياب المسؤولية أوصل الكارثة إلى هذا العدد من الضحايا والخسائر.”
● غياب المحاسبة… أصل الكارثة.
لو فُعّلت:
1. آليات الافتحاص في مراحل سابقة،
2. مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة،
3. تقييم حقيقي للمشاريع المنجزة،
لما استمر الإهمال سنوات، ولما تحولت الكارثة إلى نتيجة منطقية لمسار فاشل.
● خلاصة: هناك مسؤوليات مباشرة وغير مباشرة.
ما حدث في آسفي لم يكن حادثا عرضيا، بل حصيلة تراكمات من الإهمال وسوء التدبير:
■ المسؤولية المباشرة:
المجالس المنتخبة المتعاقبة: فشلت في حماية الساكنة، وفضّلت المشاريع الشكلية على الوقائية.
الأجهزة التقنية وشركة تدبير الصرف الصحي: قصّرت في الصيانة، ولم تنظف البالوعات، ولم تفعّل الدراسات والتقارير المنجزة.
■ المسؤولية غير المباشرة:
العمال السابقون: اطّلعوا على الاختلالات، راكموا الملفات، ومرّروا الهشاشة دون حسم.
العامل الحالي: ورث وضعا هشا، لكنه لم يحدث قطيعة حقيقية مع منطق التسيير السابق.
● ما المطلوب اليوم؟
إنصاف الضحايا لا يمر عبر التعويض وحده، بل عبر:
1. تحقيق شامل ومستقل،
2. مساءلة العمال السابقين وكل من يتحمل المسؤولية،
3. افتحاص مشاريع البنية التحتية،
4. ربط السلطة بالنتائج لا بالاستمرارية.
■ في آسفي، لم تقتل الأمطار وحدها…
بل قتل صمت الجهات المسؤولة والمنتخبة،
وصمت الساكنة عن الفساد،
وتأجيل المشاريع المهيكلة،
وتبادل المصالح.
وكل من سكت عن الخلل يتحمّل وزر نتائجه.
الأرواح التي أُزهقت ليست قدرا…
بل أمانة ضيّعت. لنأخذ العبرة المكلفة للثمن ونتعلم الدرس الأليم لكون في المستوى المطلوب وننهض بالواجب ونعيد للمدينة الاعتبار لساكنتها وشبابها وتاريخها العريق.



















تعليقات الزوار ( 0 )